يشكل كتاب "مراكش: ألف حكاية وحكاية" للباحث عبد الله العلوي نافذة على عوالم جامع الفنا، أحد أشهر فضاءات الفرجة الشعبية والتراث اللامادي في المغرب. لا يكتفي المؤلف بمقاربة الساحة كمجرد فضاء حضري، بل يغوص في تفاصيلها الدقيقة عبر تجربة ميدانية امتدت لأكثر من عشرين عامًا من الرصد والمعايشة اليومية. من خلال هذا العمل، يبرز العلوي أحداث الساحة، ويكشف أسرارها، ويعيد رسم ملامح الحكاية الشعبية التي عاشتها الأجيال، وجسّدتها حلقات الحكواتيين والموسيقيين والعارضين. فالكتاب لا يقتصر على التوثيق المجرد، بل يرسم صورة بانورامية تجمع بين السرد الأدبي والتحليل السوسيولوجي، ما يمنح القارئ شعورًا بأنه يعيش داخل أجواء جامع الفنا، يستمع إلى الحكواتي ويرى تجمهر الناس حول الحلقة.
عبر صفحات الكتاب التي تقارب 180 صفحة، يستعرض العلوي نشأة الحلقة وتطورها، مسلطًا الضوء على أدوارها المتعددة في نقل الحكاية، والموسيقى، والعرافة، والتداوي، والتمثيل، والألعاب، وعروض الخوارق. يولي الاهتمام بتجارب الحكواتيين وأسماء الرواد المؤثرين، ويبرز ريادة النساء في الساحة منذ ستينيات القرن الماضي، رغم صعوبة اختراقهن لهذا العالم الذكوري بطبيعته. كما يرصد المؤلف العلاقة المعقدة التي تجمع بين أصحاب الحلقة والسلطة، وكيف ظلت الساحة تدبر بنفسها وتنظم شؤونها الداخلية استنادًا إلى العرف والتقاليد المتوارثة.
وفي سياق الحفاظ على الذاكرة الشفوية، يعتبر العلوي وفاة الحكواتي بمثابة حريق مكتبة لما يحمله من تراث ثقافي غير مكتوب، يوثق تاريخ المدينة وهواجسها وحكمتها الشعبية في عقول الحكواتية فقط. يعرض الكتاب أيضًا لتاريخ الصورة الفوتوغرافية والسينمائية ودورها في تشكيل ذاكرة مراكش الجماعية، إلى جانب عادات سكان الأحياء الشعبية التي تظل حاضرة في تفاعلات الساحة اليومية.
نال الكتاب إشادات من قراءه ونقاد الثقافة الشعبية المغربية، إذ اعتبروه مرجعًا لمن يرغب في دراسة تراث جامع الفنا والموروث الشفاهي المراكشي.