من الصعب تخيل مدينة مراكش دون ظل خوان غويتيسولو، أحد أبرز الكتاب الإسبان وأكثرهم فرادة وتأثيراً في القرن العشرين. اختار غويتيسولو المدينة الحمراء موطناً ومساحة يومية للتجوال منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، مفضلاً أزقتها الحية على أيّ مشهد سياحي نمطي. لم تكن مراكش بالنسبة إليه محطة مؤقتة ولا مجرد ديكور شرقي، بل اعتبرها "سينما دائمة"، ومشهداً متجدداً للوجوه والأصوات والحكايات. كان يعبر ساحة جامع الفنا يومياً، يتأمل الحكواتيين، يجمع غرابة التفاصيل، ويفكك الرموز كمواد خام للكتابة الأدبية.
غويتيسولو، الكاتب المنفي والناقد الشرس لفرانكو، بنى أعماله على توتر بين الجذور والاقتلاع. كانت مراكش له ميناءً متناقضاً: مكان الاحتضان، وأيضاً مساحة للدهشة والحدود والعبور. وفي هذا المفترق الثقافي والذاكرة، وجد فرصة جديدة لابتكار لغته الأدبية، المنفتحة على العربية والفرنسية ورجع صدى العالم وصمت المدينة. روايته "مقبرة" تشهد على هذا الاندماج: إذ تتجاوز الشكل التقليدي للرواية، وتستكشف مراكش ضمن مشاهد سريالية وأخرى واقعية، جاعلاً منها مصدراً للإلهام ومرآة للتناقضات.
حتى بعد وفاته، ما زال أثر خوان غويتيسولو حاضراً في مراكش، يعكس روحه الحرة وفضوله الاستثنائي. بين قبره في العرائش وذكراه في أزقة المدينة الحمراء، لا يزال وجهه مصدر إلهام للأدباء ونقطة استفهام دائمة. ويبقى حقاً الكاتب الذي التقط مراكش بنقاء رؤيته وصرامة أسلوبه، محوّلاً اليومي إلى فضاء إبداع أدبي عالمي.