ينطلق أثر أحمد طليمات من مراكش، المدينة التي شكّلت خلفية حسّه السردي والشعري، ورسخت حضوره في المشهد الثقافي المغربي منذ أواخر ستينيات القرن الماضي. كاتبٌ جمع بين الرواية والقصة والشعر، واشتغل على اللغة كمساحة للتجريب وعلى الواقع كحقل للأسئلة. وُلد في مراكش سنة 1945، ورحل عام 2020، تاركاً متناً إبداعياً يتغذّى من نبض المدينة وخبرتها الاجتماعية والفكرية.
بدأ طليمات مساره في مراكش مدرساً في قطاع التعليم العمومي، قبل أن يتجه إلى النشر في صحف ومجلات ثقافية مغربية مثل "العلم" و"المحرر" و"أنوال"، ثم شارك في تحرير صحيفة "الاختيار". هذا الاحتكاك اليومي بالكتابة العامة وبالنقاش الثقافي، متكئاً على خبرة مراكش وحراكها، منح نصوصه حسّاً توثيقياً متوازناً وقدرة على التقاط التحولات الاجتماعية والسياسية دون شعارات أو زخرفة زائدة.
في الرواية، قدّم أعمالاً لافتة في تجربتها وأفقها، منها "المختصر من مقامات الأنفاق" (1996)، و"المختصر من تخرصات الكوارث وتخصصاته فوجدناها" (1998). العناوين توحي بانشغاله بالبنية واللغة والإحالات الثقافية، بينما تستند المتون إلى بناء سردي ينفتح على الهامش اليومي ويشتغل على توتّر الذات والجماعة؛ وتظل مراكش، بطبقاتها الاجتماعية وإيقاعها اليومي، حاضرة كمرجع وتربة دلالية في هذا الاشتغال.
في القصة، نشر مجموعتين هما "السيد لينين والسيد فرويد والسيد تحفة" (2008) و"مخلوقات منذورة للمهانة" (2010)، حيث تتجاور الإحالة الفكرية مع التفاصيل الإنسانية الصغيرة، وتتنقل النصوص بين السخرية الرصينة والالتقاط الحاد للمفارقات. أما في الشعر، فصدرت له "وثني المطر" (2011) و"لحاءات حليمة وللحروف شمائل"، وفيهما يتقدّم الحسّ التصويري على التزويق اللفظي، ويُبنى الإيقاع على قربه من الكلام اليومي؛ وتبدو مراكش، بصورها ومشاهدها، خلفية محايثة للصور والإيقاعات.
إلى جانب الكتابة، كان لأحمد طليمات حضور نقابي وسياسي ضمن حركة اليسار الراديكالي واتحاد كتاب المغرب، وهو حضور انعكس في نبرة نصوصه وفي اختياراته الجمالية التي تميل إلى مساءلة السلطة والمعنى وطرق تمثيلهما في الأدب. هذا التداخل بين النشاط العام والعمل الإبداعي، المتغذّي من بيئة مراكش الفكرية والاجتماعية، منح تجربته مصداقية ومراكمة معرفية، وفتح أمام القرّاء إمكانية قراءة الأدب بوصفه فعلاً للمساءلة.
تظل تجربة طليمات، الآتية من مراكش إلى المشهد المغربي الأوسع، علامة في الأدب الحديث؛ تجمع بين الجرأة المفهومية والاقتصاد اللغوي، وتقدّم نموذجاً لروائي وقاص وشاعر يكتب من قلب الحياة اليومية وحساسيتها الفكرية. بالنسبة للباحثين والقرّاء المهتمين بتاريخ السرد والشعر في المغرب، تمنح أعماله مادة غنية لتتبع تحولات الكتابة بين نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين.


